top of page

السوريون يموتون جوعًا في عالم صامت



المكان: سوريا. دولة سوريا الواقعة في الشرق الأوسط، شرق البحر الأبيض المتوسط ولبنان، غرب العراق، جنوب تركيا، شمال الأردن وفلسطين المحتلة.


لعلّ العالم نسي هذه البقعة الجغرافية الممتدة على مساحة تزيد عن السبعين ألف ميل مربع على كوكب الأرض، والحاضنة لأكثر من ثلاثة وعشرين مليون نسمة، وصاحبة التاريخ الممتد آلافاً من السنوات في عمق التاريخ… لعلّ العالم بإرادة منه -ولأسباب مجهولة- نسي بشراً يعيشون معه على ذات الأرض… نسيّهم محاصرين، نسيهم وهم يموتون جوعاً ليصبحوا ضحايا للصمت العالمي المخزي تجاههم.


الزمان: 2014

زمن العولمة وتحوّل العالم إلى قرية صغيرة.. فلو قتلت امرأة زوجها من أجل لعبة كرة قدم في شرق الكوكب، لعلمنا بذلك ونحن في غربها، زمن الاتصالات والتكنولوجيا والفضاءات المفتوحة، زمن الإعلام والفضائيات الكثيرة، تلك التي تنشر ما تريد وتتغاضى عمّا تريد. ذلك زمن العالم، لكن في سوريا الزمن مختلف، فهذا عصر الحصار والجوع.



حمص.. الحصار الممتد منذ أكثر من سنة وسبعة أشهر.

بدأ الحصار على منطقة حمص القديمة بتاريخ 9/6/2012، حيث أغلقت قوات النظام السوري جميع المداخل إلى المنطقة التي تحوي آلاف المدنيين (بقي منهم أكثر من ألف نسمة الآن)، مما أدى إلى نقص حاد في المواد الاستهلاكية من أغذية ومحروقات وغيرها مما يحتاجه الإنسان لقضاء يومه.


“يخاطر بعض الشباب بأرواحهم ويخرجون إلى الأسطح لإلقاء نظرة على خزانات المازوت عسى أن يجدوا فيها شيئاً” يتحدث أبو علاء المتمركز في النقطة الطبية الخاصة بالمنطقة.. ويضيف بأن المواد الاستهلاكية إن وجدت فأسعارها تضاعفت عشرات المرات مما كانت عليه سابقاً – أي قبل فرض الحصار- ثم يشرح عن كيفية استبدال الطحين بالحنطة وعن “رفاهية” وجود الرز لدى بعض الأشخاص.


عند سؤاله عن الجوع هناك يسهب أبو علاء في شرح الأمراض التي ظهرت بسبب نقص التغذية وعن الأرواح التي فقدوها فعلى سبيل المثال لا الحصر مات المُسن حيدر معصراني والشاب محمد مشهور العفنان وشخص من بيت شلار وفتاة رضيعة بسبب الجوع، حسب قوله.


سجلت محاولات عدّة لفك الحصار، بعضها من داخل الحصار، كـ “معركة استرجاع القرابيص والبنايات الحمر” في شهر أيار من العام الفائت، فتح خلالها الطريق إلى المنطقة المحاصرة لمدة شهرين قبل أن تستعيد قوات النظام سيطرتها على الطريق. ومعركة “القصور” وغيرها الكثير. آخر العمليات لفتح ثغرة في الحصار كانت معركة “المطاحن” التي راح ضحيتها كما بات معروفاً معظم عناصر كتيبة “شهداء البياضة” بعد كمين نصبته لهم قوات النظام.



الغوطة الشرقيّة تدّق أبواب المجاعة

قُسِم حصار الغوطة الشرقية (التي تضم حوالي مليون نسمة موزعة على عدد كبير من البلدات والمدن) إلى ثلاث مراحل، أولها يبداً في كانون الأول من العام 2012 ويمتد حتى تاريخ بدء المرحلة الثانية في شباط 2013 واتسم بالإغلاق الجزئي للمنطقة والإبقاء على ثلاث معابر “المليحة- مخيم الوافدين- عقربا”، يستطيع الناس الدخول والخروج منها بعد إبراز البطاقة الشخصية كما يحدث في كلّ حواجز سوريا بالإضافة إلى السماح لبعض السيارات بالمرور (لم يُسمح آنذاك بمرور الكثير من السيارات لأسباب مجهولة). في المرحلة الثانية والممتدة من شباط حتى أيلول 2013 ازداد التدقيق على معبري المليحة ومخيم الوافدين آخر النقاط التي يسمح بالمرور من خلالها للأفراد مع منع إدخال المواد الاستهلاكية إلا في حال دفع “أتاوات” ومبالغ مالية كبيرة وبعد إذلال للمواطنين.


بدأت المرحلة الثالثة من الحصار في أيلول 2013 بإغلاق آخر منفذين على الغوطة الشرقية، حيث مُنع دخول وخروج المواطنين إلا في حالات نادرة جداً.


“الوضع المعيشي في الغوطة يُعتبر كارثياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى” حسب تعبير أبو علي المزارع النازح ضمن الغوطة الشرقية.. “كلّ المواد الغذائية نجلبها من دوما، إن هي وُجدت” ويضيف “لا يوجد خضراوات باستثناء السلق والملفوف والقرنبيط والفجل بأسعار قد تزيد عشرين ضعفاً عمّا كانت عليه سابقاً، أما الخبز فهو مصنع من طحين مشكل، وهو يتكون من تبن وشعير وفول الصويا ودخن –طعام عصافير- وذرة يُضاف إليها نكهة الطحين ويصل سعر عشرة أرغفة (قياس صغير) إلى ألف ليرة سورية – ما يعادل سبعة دولارات أمريكية -، اعتماد الناس بشكل رئيسي يكون على قمر الدين الذي زاد سعره أكثر من خمسة عشرة مرة مما كان عليه قبل بدء المرحلة الثالثة من الحصار، المحروقات هي مواد قليلة الوجود بأسعار مرتفعة جداً”.


الحياة في الغوطة الشرقية تزداد صعوبة يوماً بعد يوم.. يعتمد الناس هناك على وجبة غذائية واحدة بغض النظر عن محتويات هذه الوجبة.. لم تحدث مجاعة حقيقية بعد لكن الأمراض الناتجة عن سوء التغذية بدأت تظهر ولا سيما بأنّ غذاء الكثير من العائلات هو زعتر وملفوف أو شوندر علفي وهو طعام كان يقدم في السابق إلى الأبقار والأغنام.


حالتا وفاة بسبب الجوع تم الإعلان عنهما إحداها لفتاة في بلدة سقبا وأُخرى لطفل في بلدة مرج السلطان.


محاولات فك الحصار فشلت بمجملها، كانت آخرها المعارك التي أسفرت عن تحرير سبع قرى وتوقفت المعارك لاحقاً لأسباب غير معلنة.


اليرموك، صومال سوريا

يقول فاروق الرفاعي عضو مجلس قيادة الثورة في مخيم اليرموك بأن الحصار فرض بشكل جزئي منذ سنة، وبشكل كامل منذ ما يزيد عن مئة وتسعين يوماً، هذا الحصار سبّب نقصاً حاداً في كل أنواع الغذاء والمستلزمات الطبية وفقراً مادياُ مدقعاً لدى معظم المدنيين بسبب استهلاك كل ما يملكونه من مال أثناء شهور الحصار.


المواد الغذائية شبه معدومة. ما يتواجد من مواد أسعارها مرتفعة إلى حد لا يتصوره عقل فعلى سبيل المثال لا الحصر: كيلو غرام واحد من السكر يعادل مئة وعشر دولارات أمريكية.


في المخيم مجاعة راح ضحيتها حتى ساعة إجراء الحوار مع فاروق الرفاعي المتحدث باسم مجلس قيادة الثورة (15 كانون الثاني 2014) واحد وسبعون شهيداً (كلهم موثقون بالأسماء)، ثمانية وأربعون منهم في مخيم اليرموك لأن عدد السكان هناك كبير يصل إلى ستين ألف نسمة.


محاولات فك الحصار فشلت بسبب النقص الحاد في الذخيرة وبسبب تفاوت القوة بشكل كبير بين قوات النظام وقوات الجيش الحر. كما أنّه تمّ إرسال العديد من القوافل الغذائية لكنّها حين تصل إلى أطراف المنطقة الجنوبية للعاصمة دمشق يتم إطلاق الرصاص عليها من قبل المليشيات التابعة للنظام هناك أو منعها وإعادتها، على حد وصف الرفاعي.


الأزمة مستمرة

لم تتوقف هذه الأزمة عند هذا الحد بل إنّها تمتد وتتوسع لتشمل مناطق جديدة، فالمنطقة الشرقية والجزيرة السورية أيضاً تعاني من نقص في الغذاء والدواء إن بدرجة أخف.


كل هذا يحدث في هذه البقعة الجغرافية المُسماة سوريا على مرأى ومسمع العالم الذي يغرق في صمته يوماً بعد يوم.



٤ مشاهدات٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page