top of page
صورة الكاتبDellair Youssef

ماري كولفن في حمص، عندما تُقتل صحفيّة من أجل نقل الحقيقة


"أعتقد أنّها مثل الكثيرين الذين يقدّمون التقارير الصحافيّة من مناطق الحرب، تشعر بالخوف، لكنها لم تسمح أبدًا للخوف أن يوقفها عن أداء عملها، وأعتقد أنّ هذا ما جعل عملها بطوليًا، وما يجعلها شجاعة".


الصحفي الأمريكي أندرسون كوبر.



في الثاني والعشرين من شباط من العام 2012، قُتلت الصحفيّة الأمريكيّة ماري كولفن رفقة المصوّر الصحفي الفرنسي، ريمي أوتشليك، جراء قصف مدفعي من قبل قوات النظام السوري على مركز لإقامة الصحفيين في حيّ بابا عمرو في مدينة حمص، وسط سوريا.


توجهت كولفن إلى سوريا كمراسلة الشؤون الخارجيّة لصحيفة صنداي تايمز البريطانيّة، وهي التي شغلت هذا المركز منذ العام 1985 حتى يوم مقتلها، وظهرت في بث مباشر من المدينة التي كان يحاصرها جيش النظام السوري على قنوات بي بي سي والقناة الرابعة البريطانيّة وسي إن إن، علمًا أنّ آخر بث مباشر أجرته قبل مقتلها بساعات كان مع الصحفي الأمريكي أندرسون كوبر خلال برنامج "360 مع أندرسون كوبر" على قناة سي إن إن.


في ذلك اللقاء قالت كولفن، التي عملت سابقًا في مختلف مناطق الحروب حتى أنّها فقدت إحدى عينيها بسبب انفجار قنبلة يدويّة أطلقها الجيش السريلانكي أثناء تنقلها من منطقة تسيطر عليها نمور التاميل إلى منطقة تسيطر عليها الحكومة في العام 2001، إنّ الصراع في سوريا هو الأعنف، واصفة قصف حمص بأنّه أسوأ صراع واجهته على الإطلاق.


روايات مختلفة

قالت الحكومة السوريّة إنّ ماري كولفن قد قُتلت عن طريق عبوة ناسفة بدائيّة الصنع مملوءة بالمسامير، حتى إنّ مسمارًا وُجد في جمجمتها وذلك بعد تشريح جثتها، وإنّ هذه العبوة الناسفة قد صُنعت من قبل "المسلحين" المعارضين لنظام حكم الأسد.


لكن هذه الرواية تمّ تكذيبها من قبل المصوّر بول كونري في كتابه "Under The Wire" والذي يحكي فيه قصة ما جرى مع كولفن وزميلها أوتشليك، وذلك حسب مشاهداته الشخصيّة، حيث كان كونري حاضرًا أثناء القصف المدفعي لقوات النظام على مكان تواجدهم ونجا بأعجوبة من الموت لكنه أصيب بجروح مختلفة.


وفي العام 2016، رفعت عائلة كولفن دعوى مدنيّة ضدّ الحكومة السوريّة متهمة إياها بقتل ماري، مؤكدين على حصول أدلة تدين الحكومة السوريّة التي أمرت مباشرة بقتل الصحفيّة، في الوقت التي كانت تفرض فيه هذه الحكومة تعتيمًا إعلاميًا على ما يحدث في سوريا وتمنع الصحفيين والصحفيات من ممارسة أعمالهم ونقل حقيقة ما يجري في البلاد.


أقرتّ المحكمة الأمريكيّة في العام 2019 بأنّ الحكومة السوريّة هي المسؤولة المباشرة عن مقتل كولفن، آمرة إياها بدفع مبلغ 300 مليون دولار كتعويض عقابي لأنّ ماري كولفن، حسب المحكمة، قد كانت "مستهدفة على وجه التحديد بسبب مهنتها وذلك بغرض إسكات من يكتبون عن حركة المعارضة المتنامية في البلاد"، وأضافت المحكمة "أنّ قتل الصحفيين الذين يعملون بصفتهم المهنيّة يمكن أن يكون له تأثير مخيف من حيثُ الإبلاغ عن مثل هذه الأحداث في جميع أنحاء العالم. إنّ قتل مواطنة أمريكيّة، والتي لم يكن عملها الشجاع مهمًا فحسب بل أيضًا أمرًا حيويًا لفهمنا لمناطق الحرب والحروب عمومًا، يُعدّ أمرًا شائنًا وبالتالي فهناك حاجة إلى تعويضات عقابيّة تضاعف تأثيرها على الدولة المسؤولة».


هل كان بإمكان ماري كولفن تجنّب هذا المصير؟

ربما يكون طرح السؤال بهذه الطريقة مسيئًا، لأنّ الموت ليس مسؤوليّة الضحيّة، بل مسؤوليّة القتلة، إضافة إلى أنّ كولفن عملت لسنوات طويلة في مناطق النزاع والحرب وعلى الخطوط الأماميّة للصراعات، في مختلف أرجاء العالم، وهي الأقدر، ربّما، على تقدير الموقف والخطر المحدق بها.


يُقال دائمًا أن لا حكاية تستحق أن يموت من أجلها المرء، لكن ماذا عن الحقيقة؟ من ينقل الحقيقة من قلب الحدث؟ يقولون إنّ النظام السوري تعقّب الاتصالات الفضائيّة وإشارات الهاتف لتحديد موقع ماري كولفن وفريقها واستهدافه، وقد تمّ الاستهداف قبل خروجها من المنطقة بقليل.


ربّما لو لم تجري ماري كولفن أيّ مكالمة ولم تستعمل أجهزة تواصل لما استطاعت قوات الحكومة السوريّة استهدافها، لكن لو فعلت، هي وآخرين مثلها قضوا جراء استهدافات مشابهة، من كان سيخبرنا من قلب الحدث إنّ "كل بيت مدني في هذا الشارع قد تمّ قصفه، ونحن نتحدث عن حي شعبي فقير للغاية (…) لا توجد أهداف عكسريّة هنا. (…) لذا فهي كذبة كاملة ومطلقة قولهم إنّهم يطاردون الإرهابيين فقط. هناك صورايخ وقذائف ودبابات ومضادات جويّة يتم إطلاقها في خطوط متوازية على المدينة. الجيش السوري يقصف ببساطة مدينة (حمص) يسكنها مدنيون يتضورون جوعًا".


وإن أخبرتنا ذلك بعد أن تخرج من المكان، هل كنّا سنصدقها مثلما صدقناها وهي تحكي من "تحت القصف"؟


مرة أخرى: هل كان بإمكان ماري كولفن تجنّب هذا المصير؟ نعم، لولا إنّها انحازت للحقيقة، وإنّ كانت الدكتاتوريّات قادرة على إزاحة نظرنا عن الحقائق لوهلة من الزمن، فهي لا تستطيع قتل عين الحقيقة التي ينقلها الصحفيون والصحفيات، المقاتلون والمقاتلات، من أجل نقل الحقيقة، وبالتالي من أجل عالم أفضل مبنيّ على قيم الحريّة والكرامة والعدالة والانحياز للضعفاء والوقوف في وجه الدكتاتوريات وطامسي الحقائق من مريدي المستبدّين.



المصادر

  1. المعلومات الواردة في موقع مؤسسة ماري كولفن.

  2. المعلومات الواردة في موقع شبكة ماري كولفن للصحفيات.

  3. اللقاء الأخير لماري كولفن مع شبكة سي إن إن.

  4. لقاء الصحفي أندرسون كوبر بعد يوم من مقتل ماري كولفن.

  5. مقال في صحيفة الغارديان بعنوان "نعي ماري كولفن".

  6. مقال في صحيفة الغارديان بعنوان "قرار محكمة ماري كولفن يعطي معنى لموتها".

  7. مقال في صحيفة التلغراف بعنوان "مقتل صحفية الصنداي تايمز، ماري كولفين، في حمص".

  8. مقال في صحيفة نيويورك تايمز بعنوان "مقتل صحفييَن غربييَن خلال القصف في سوريا".

  9. لقاء مراسل قناة العالم الإيرانيّة حسين مرتضى للتحدث عن رواية الحكومة السوريّة.

  10. كتاب Under The wire للصحفي بول كونري.




٤ مشاهدات٠ تعليق

Comments


bottom of page