top of page
صورة الكاتبDellair Youssef

لمحات من حياة ماري عجمي، من أولى النسويّات السوريّات


إن صفت خمرٌ بأقداح الهوى/ مال يجلوها بأبكار البيان/ أو هفا صبٌّ لمعسول اللمى/ راح يشكو مثله جور الحسان/ إن تقولوا ما به من لوعة/ ليس ما فيه التياعٌ بل حنان/ كلّ قلب في البرايا قلبه/ فارحموه إنّه قلب الزمان.

-ماري عجمي-


في واحدة من البيوت الدمشقيّة الواقعة في حارة "جوّانيّة" من زقاق طالع الفضة في المدينة القديمة، خلف كنيسة القديس يوحنا الدمشقي الأرثوذوكسيّة، وُلدت ماري عجمي سنة 1888، لتبدأ مسيرة طويلة من عملها الأدبي والصحافي والنسوي الذي انتهى بوفاتها سنة 1965.


قد تكون عجمي، أشهر الشخصيّات النسائيّة السوريّة في العصر الحديث، فكُتبت عنها مئات المقالات وبعض الكتب، ومُثلت شخصيتها في مسلسلات تلفزيونيّة، لدورها المهم والأساسي في الحياة الثقافيّة والاجتماعيّة السوريّة في بدايات القرن الماضي، من خلال قصائدها الشعريّة، التي جمعت في ديوان شعري نُشر من قبل الهيئة العامة السوريّة للكتاب، ومقالاتها ونشاطاتها، ولا سيما تأسيسها مجلة "العروس"، والتي تعتبر من أوائل المجلات النسويّة العربيّة، أو مشاركتها في تأسيس "النادي النسائي الشامي".


مجلة العروس

في نهاية سنوات عصر السلطنة العثمانيّة وبالتحديد سنة 1910، أسّست ماري العجمي مجلة العروس في مدينة الاسكندريّة المصريّة (تقول مصادر أخرى إنّها أُسّست بداية في مدينة حمص السوريّة) ومن ثمّ نقلت مركز نشاطها إلى مدينتها الأم، دمشق، والتي بدأت باثنين وثلاثين صفحة لتزداد بعدها إلى أربعين صفحة قبل أن تتوقف عن الصدور في العام 1914 بسبب اشتعال الحرب العالميّة الأولى.


عادت المجلة إلى الظهور بعد وضع الحرب أوزارها سنة 1918، محتويّة على ستين صفحة، ويكتب فيها أشهر أعلام الأدب والصحافة في سوريا والعالم العربي آنذاك، من أمثال جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وإيليا أبو ماضي، ومعروف الرصافي، وعباس محمود العقّاد. استمرت المجلة بالصدور حتى توقفت في العام 1925، عام انطلاق "الثورة السوريّة الكبرى".


هدفت المجلة إلى "تحرير المرأة قيودها، وتحرير الرجل من جحوده"، فنشرت مواد أدبيّة وتاريخيّة وبيئيّة، إضافة إلى مواد تعنى بالطفل والعائلة، ونشرت روايات ومناظرات أدبيّة، وكانت مكانًا مميّزًا للترويج لكثير من الأفكار التحرّريّة.


كتبت ماري عجمي في تقديم العدد الأول من مجلتها والتي حملت شعارًا يقول "إنّ الإكرام قد أُعطي للنساء ليزيّن الأرض بأزهار السماء"، موجهة ما تكتب إلى جمهورها من النساء: :إليكِ العروس، فرحبي بها غير مأمورة ليذهب عنها شيءٌ من حيائها، فتسرّ إليكِ بمكنونات قلبها وشعائر موقفها. عروسة لا عريس لها سوى الشعب الجائي على أقدام حريّته يطلب بركة الوطنيّة تحت سماء العلم، مُسجّلًا عقد قرانه عليها بمداد الفكر والقلب، مكلّلًا رأسيهما ببراعم الآمال وأزهار الحب".


النادي النسائي الشامي

أسّست ماري عجمي بالتعاون مع نازك العابد، المناضلة السوريّة والقياديّة النسويّة والتي قادت الحركة النسائيّة السوريّة وطالبت بحصول المرأة على جميع حقوقها السياسيّة والاجتماعيّة وأسّست "جمعيّة النجمة الحمراء" التي تعتبر نواة منظمة الهلال الأحمر السوري، في مطلع العام 1920 النادي النسائي الشامي.


ضمّ النادي النسائي الشامي (أو الدمشقي، حسب مصادر أخرى) نساء من عائلات دمشقيّة وبرجوزايّة عريقة، وهدف بشكل رئيسي إلى تحرير المرأة من القيود المجتمعيّة المحافظة، وإلى حصول المرأة السوريّة على كافة حقوقها السياسيّة والقانونيّة والاجتماعيّة، وإلى تحرّر المجتمع السوري بشكل عام، من الاحتلالات المتعاقبة على البلاد، إضافة إلى نشاطات أدبيّة متعدّدة.

شكّل النادي، واحدًا من الجمعيات والنوادي النسائيّة التي نشطت في المدن السوريّة الكبيرة، والتي عنيت بالأدب والسياسة وبدور المرأة في المجتمع. لتشكّل ما يُمكن أن يُسمى بـ"الموجة النسويّة السوريّة الأولى".


المناضلة ماري عجمي

عرفت عجمي بمقارعة السلطات العثمانيّة، ولاحقًا سلطات الاحتلاليَن الفرنسي والإنجليزي. تقول الحكايات إنّها وقفت في وجه القائد العسكري العثماني المعروف، جمال باشا السفّاح، مدافعة عن حقوق المناضلين الوطنيين، ولا سيما خطيبها ووكيلها الأدبي، بيترو باولي، الذي تمّ اعتقاله وإعدامه لاحقًا في السادس من أيار سنة 1916.


يُقال الكثير عن ماري عجمي، ونضالها ضد سلطات الاستعمار المختلفة، لكن نضالها لم يقتصر على محاربة هذه السلطات القمعيّة، بل عملت وناضلت من أجل حقوق أفراد معظم طبقات المجتمع، ولا سيما الأطفال والنساء.


إضافة إلى ذلك دعمت عجمي الفلاحين والعمال السوريين، وتوجهت نحو دعم الاقتصاد المحليّ وتشجيعه والاعتماد عليه، عوضًا عن الاعتماد على الاستيراد. هذا "التوجّه نحو الداخل" لم يكن معتادًا داخل النخبة المدينيّة والبرجوازيّة السوريّة التي كانت تنظر دائمًا نحو أوروبا كمثال للحضارة.


هذا التوجّه "اليساري" لم يحظ باهتمام المؤرخين والدارسين لحياة ماري عجمي رغم أنّها أعلنت ذلك بوضوح في قصيدة "أمل الفلاح" التي فازت بالجائزة الأولى في محطة الإذاعة البريطانيّة في لندن سنة 1947، والتي تقول فيها:


هو الزارعُ الفلاحُ لولا جهاده

لما شمت بالريحان حسن المخايل

هو الطود للعبء الثقيل وقد بدا

على وجهه منه اتقاد المشاعل


الموت وحيدة

في سنوات عمرها الأخيرة، اشتدّ المرض على ماري عجمي، فابتعدت عن الحياة العامة التي عملت وناضلت وعلّمت واشتغلت فيها لسنوات طويلة، محاولة تحرير المجتمع من قيوده، وتطويره ليكون جميع أفراده متساويين أحرارًا.


ماتت عجمي في الخامس والعشرين من كانون الأول من العام 1965، ودُفنت في مقبرة القديس جاورجيوس للروم الأرثوذوكس في حي الباب الشرقي، بعد أن صُلّي على جثمانها في الكاتدرائيّة المريميّة.


أفنت عجمي عمرها في سبيل حريّة وكرامة الشعب السوري بمختلف فئاته، لكن "الشعب السوري" لم يبادلها الحبّ بالحب، فلم يرافق جثمانها إلى المقبرة سوى 16 شخصًا، ودون أن تحصل على تكريم يليق بكلّ ما فعلت من أجل سوريا والسوريين/ات حتى يومنا هذا.

١٠ مشاهدات٠ تعليق

Comments


bottom of page