top of page
صورة الكاتبDellair Youssef

حوار مع مصطفى علي

@ بدنا حل 2010


أُجري هذا الحوار ونُشر في موقع بدنا حل الإلكتروني على جزأين سنة 2010.


لقد لقبك بعض النقاد والأصدقاء بلقب رجل الزوايا، لماذا؟

ربما لأنه في مرحلة من المراحل في حياتي، كنت أعمل على الأشكال الحادة والفراغات المعكوسة التي تتوضع فيها المنحوتات والأشخاص، وكانت تلك الأشكال توضع في زوايا محشوة وحادة، فربما كان هذا هو سبب تسميتي برجل الزوايا.


أعمالك الأولى كانت تظهر تأثرك الواضح بالفنان العالمي الإيطالي جياكوميتي، هل استمر ارتباطك به؟

أنا لم أرتبط بجياكوميتي إطلاقاً، لكن الذي جمعني به هو الأشكال النحيلة الطويلة، ولكن الفلسفة والمفهوم مختلف، فجياكوميتي طرحه للشخص النحيل والمضمون والشكل مختلف تماماً، إنما التشابه هو بالأشكال النحيلة والطويلة، وكان ارتكاز جياكوميتي وكذلك أنا على تاريخ التروسك (الفترة قبل الرومانية) والفينيقيين، فكان ارتكازنا على أشكال نحيلة وغير معمول الشكل الخارجي، وأنا بشكل عام غير معني بالشكل الخارجي لمنحوتاتي، فأنا أبحث عن داخل الشكل.


تميزت في فترة من الفترات بالمنحوتة البرونزية، لماذا اخترت البرونز؟

البرونز هو المعدن النبيل الذي يستحق الأفكار التي أعمل عليها، فأشكالي نحيلة ودقيقة ومترفعة عن الأرض، فهي بحاجة إلى معدن مثل البرونز ليكون مناسباً لمثل هذه الأفكار. وبالإضافة إلى نبل هذه المادة وأهميتها التاريخية فإمكاناتها التعبيرية تعطيك ما تريد.


لماذا انتقلت لاحقاً إلى الخشب؟

الانتقال إلى الخشب هو حالة، فالفنان دائماً يمتلك أفكار جديدة، والأفكار الجديدة بحاجة إلى مادة جديدة تناسب هذه الأفكار، فعندما تريد أن تعمل على حجم ما في الفراغ، ليس الفكرة وحدها لها دور في ذلك وليس الفنان وحده، فالمادة أيضاً لها دور في إعطاء البعد والحس والمفهوم من خلال هذا الجدال والحوار بين هذه الإشكالات، فالمادة لها دور أيضاً في إعطاء القيمة الحقيقية للعمل.


لقد قلت سابقاً بأن الأبراج العمودية التدمرية هي صورة للذاكرة، ما الذي قصدته حينها؟

الإنسان بشكل عام تقابله منعطفات فنية في حياته، نتيجة تأثره بأماكن يزورها، فمن التأثيرات الكبيرة التي حصلت خلال تجربتي هي زيارتي لتدمر. زيارتي لتدمر كانت مهمة جداً، فالفن يرتكز دائماً إلى فلسفة وفلسفة الحياة عند أهالي تدمر هي غير فلسفة الخلود والموت، أنا أُعجبت بفلسفة الحياة وفن الحياة عند أهالي تدمر، لكن ما أذهلني هو فن ما بعد الحياة، وفن ما بعد الحياة يعني الخلود وليس الموت، والبحث عن الخلود كيف يتم؟ هناك أرض وهناك سماء، كيف ستكون الصلة بينهما؟ بالعلاقة الشاقولية، فخَلقََ أهل تدمر بعبقريتهم هذه الأبنية البرجية أو المنحوتات البرجية، التي تجسد الذاكرة، ذاكرة الأشخاص الذين ينتقلون من الحياة إلى الخلود، وهذا بالنسبة لي موضوع أساسي في حياتي، فالخلود في تجربتي ومنذ أولى أعمالي، النحت كان له هذا الدور، فأعجبني وتأثرت وبنيت أعمال كثيرة ولأكثر من عشر سنوات من تأثيرات تدمر، هي هذه العلاقة الشاقولية بين الأرض والسماء التي تنقلك من العالم الزائل والمؤقت إلى عالم الخلود.


إذاً نستطيع القول بأن منحوتاتك الطويلة والعمودية التي وصلت إلى اثني عشر متراً هي نتيجة تأثر بتدمر؟

طبعاً، والآن لدي منحوتة بطول ثمانية عشر متراً ستوضع في أحد ساحات دمشق.


اتهمت في بعض الأحيان بالأنانية وحب الظهور، ما ردّك على هذه الاتهامات؟

لن أرد على أي أحد، فأنا شخص بسيط والمجد الذي وصلت له لم أبنه على حساب أي أحد، والبساطة التي أعيش فيها، أتمنى أن يعيشها أي إنسان وأن يصل للمرحلة التي وصلت لها.


أنت ظهرت من بيئة فقيرة؟

طبعاً، أنا ظهرت من "تحت الأرض" هذا لا يعيب الإنسان، فإذا كان يملك القدرة والطاقة والإرادة فسيصل إلى أقصى ما يمكن، أنا لا أعرف الهزيمة، فأنا شخص محبوب من الناس والمجتمع، لكن ما خذلني هو الفكر الذي كنت أظن أنه صحيح، لكن الذي اكتشفته لاحقاً بأن الإنسان هو أقوى من الفكر وهو الذي يصنع أفكاره وهو الذي يغيرها. عشت في بيئة بسيطة والدليل على ذلك البساطة التي أعيشها الآن، لكن أنا أؤمن بالفرد الذي يستطيع أن يغير العالم.


وهل غاليري مصطفى علي هو نتيجة لذلك؟

إن هذا المكان هو للناس، وحصتي الوحيدة التي فيه هو إنني أنا صاحب المكان فقط. دائماً نرى فيه الناس من كل أنحاء العالم، دائماً هناك نشاطات تقام هنا، حتى مشغلي الخاص نقلته من هنا لأنه لم يعد يتسع لي. فبالتالي الأفكار التي كنت أؤمن بها أنا والآخرين، بعد أن خذلني الآخرون، قمت بتنفيذها لوحدي.


ما الذي كنت تريد الوصول إليه عند إنشاء هذا الغاليري؟

أنا أعمل على الحلم، والحلم يتحول إلى واقع، فالإنسان لا يستطيع العيش بمعزل عن الناس، والتواصل هو أساس التوازن، ولا يكفي الإنسان أن يحب نفسه فقط، بل يجب أن يحب بلده بالقدر ذاته، لذا أنا أعتبر نفسي مديناً لهذا البلد بما أعطاني من شمس وجمال ومحبة وعطاء وإنسانية.


هل ترى أي استجابة من الناس؟

لا يهمني النتيجة، ما يهمني اليوم أن الناس البسطاء والناس من أنحاء العالم بما فيهم الجوار، يتعاملون معي بمحبة لأني أريد الخير لهم، وعندما تستطيع مساعدتهم عليك ألا تقف مكتوف اليدين، فوجود الفنان في مكان يجب أن يعطي طاقة إيجابية للمكان وليس طاقة سلبية.


لقد وصلت للعالمية، لكن هناك الكثير من السوريين الذين لا يعرفوك.

دائماً مزمار الحي لا يطرب، لكن المهتم يعرف، وللأسف دائماً الشيء الجيد يأتي من الخارج. لأن الإنسان في مجتمعاتنا لا يقتنع بأنه يملك طاقة ويستطيع أن يغير ما يريد، دائماً يريد أن يأتيه شيء من الخارج.


هل تسمع موسيقى عندما تقوم بالعمل على منحوتاتك؟

في الحقيقة لا أسمع أي شيء، أحياناً كنت أستمع إلى موسيقى البيانو أو العود، لكن في كثير من الأحيان لا أستمع إلى أي شيء.


استعملت كثيراً كلمة عمل، هل هو عمل أم فن؟

عندما أقول عمل أقصد به الفن، فأنا لا أعمل بأي شيء آخر غير النحت، منذ عشرين عام على الأقل.


سابقاً هل كنت تعمل في شيء آخر غير النحت؟

كنت أعمل في الديكورات وأشياء أخرى حتى أن أجمع بعض النقود لأستطيع العيش منها، فليس من السهل أن تفرض نفسك في مجال النحت وأنت شاب في مقتبل العمر، أي ليس من السهل أن تُدخل منحوتاتك إلى بيوت الناس سواء على المستوى المحلي أو على المستوى العالمي. أي كنت أعمل في الفن لكن في مجال التزيين من زخرفة وديكور وما إلى هنالك. وكان هدفي في الدنيا أن أعمل في هذا الخط حتى أصبح نحاتاً، فأنا أؤمن بأني خُلقت لأكون نحاتاً.


بعد هذه الشهرة، إلى أين تريد الوصول؟

لم تكن الشهرة هدفاً لي في يوم من الأيام، لكن من يعرض سيصبح معروفاً من قبل الناس تلقائياً. لكن أنا حالياً أعيش في سعادة كبيرة لأني أمتلك كماً هائلاً من الأحلام وهي أكبر بكثير من إمكانياتي الفيزيائية، لكن خبرتي علمتني بأني أستطيع أصنع أشياءً كبيرة بوقت قصير، وهذا ما أعمل عليه حالياً، فوقتي كله ملكٌ لأفكاري. وهي أفكار تتحقق.


من أين تأتي بهذه الأفكار، أو إذا قلنا من أين يهبط عليك الوحي؟

هذا سؤال عميق، الأفكار تأتي من داخل الإنسان وتدور في مصنع الدماغ، وإنما كل ما تراه في الحياة وكل ما تقرأه وكل ما تسمعه هو مخزون يساعد في صناعة هذه الأفكار وتحليلها.


عندما تنحت شيئاً ما، ماذا يدور في ذهنك، هل تفكر بشيء ما مثلاً، كالله أو المحبوبة أو أي شيء آخر؟

لقد تجاوزت هذه المرحلة، فأنا الآن أعمل على الفكرة، فالأفكار تدور في الذهن، تراها على الورق أو في الزوايا أو في أي مكان، ثم فجأة تتجلى هذه الأفكار في أعمال جديدة ومبتكرة وتصبح موجودة.


هل تندم على منحوتة معينة صنعتها؟

العمل يمر بفترة امتحان، فإما أن يصبح حقيقة أو يُرمى.


هل هناك أعمال قمت بها في مرحلة معينة من حياتك ندمت علها؟

دائماً الإنسان ابن مرحلة، يعمل بقناعة معينة، ينتقل بعدها إلى قناعة أخرى، كل مرحلة فيها صعود وهبوط، لا ينتج الإنسان على مستوى واحد هنالك صعود وهبوط وهنالك امتداد أفقي للإنتاج الفني، فلا يمكن أن تكون الابتكارات والأعمال التي ينتجها الإنسان أن تكون على سوية واحدة. هذا هو الإبداع وهذه هي إشكاليته.


أنت عملت في الفن التشكيلي قبل النحت، كيف ترى تلك المرحلة؟

الفن التشكيلي يتضمن النحت أيضاً، وإذا كنت تقصد الرسم، فقد عملت بالرسم سابقاً وبالحفر أيضاً، ولدي الكثير من الأفكار المرسومة، ففي تجربتي الأولى لدي الكثير من الأعمال المرسومة بألوان ومواد مختلفة، لكني كنت أعرف تماماً منذ طفولتي بأنّني وُلدت لأكون نحاتاً، حتى في مرحلة اللاوعي كانت علاقتي مع الفارغ هي من تحرك الذهنية لدي. فمنذ صغري كنت أنحت في الخشب وفي الفلين وفي الطين، كنت أجمع الطين من على أطراف النهر وأصنع أشكالاً منها.


سأسأل هنا سؤالاً تقليدياً نوعاً ما لكني أجده ملحاً، هل كنت تلقى معارضة من الأهل، أو من المجتمع المحيط؟

لا، فقد كان أهلي من الناس البسطاء، لكن كنّا نجد دفاتر الرسم موجودة دائماً، والنحت لا يحتاج إلى رأسمال لوجود الطين والجبل الرملي وما إلى هنالك. فلم يمنعني أهلي أبداً.


نرى الآن ابنك يعمل في الفن، كيف ترى ذلك؟

بالنسبة لابني مهيار فإني أرى بأنّ ظروفه أفضل من ظروفي، فقد ترعرع في كنف عائلة فنية، وعاش في إيطاليا منذ طفولته حتى تخرجه، ودرس الفنون والنحت هناك، علماً أنه لم يكن يقصد دراسة النحت، لكن أساتذته نصحوه بدراسة النحت لأنه يملك رؤية معينة للحجم والفراغ. وهو بعيد عني تماماً. فأنا أعتقد بأن الموهبة إضافةً إلى الظرف والمناخ يؤدي إلى الاستمرارية في الفن.


هناك مقولة تتردد بأن الفن ينبع من الألم، وأنت مثلما قلت خرجت من بيئة معدمة، فهل ترى بأنّ ابنك سيمتلك نفس القدر من الإبداع مع هذه الظروف المثالية التي تحيط به؟

طبعاً الألم يصنع الفنان، لكن أحياناً الألم يحطم الفرد ويلغيه، طبعاً أنا كنت أتمنى أن تكون ظروفي أفضل من ذلك، لكن ذلك ليس بمقدوري. ليس بالضرورة أن يكون الفنان فقيراً، هنالك أبناء ملوك أصبحوا فنانين. فالألم ليس هو الحرمان من الطعام فقط، إنما هو عندما نرى مشاهد مأساوية في غزة نتألم، هناك الكثير من الفنانين والمفكرين الذين خرجوا من طبقة نبيلة، فالألم ليس هو من يصنع الإنسان، لست مع هذه النظرية بشكل كامل. فالفن يمكن أن نصنعه من ورقة مرمية أو من قطعة حديدية، ويمكن أن نصنعه من أفضل الألوان، كل ذلك يعتمد على الأفكار الداخلية.


أنت تأثرت بعدد من النحاتين الذين سبقوك، هل كان لك ذلك التأثير على ابنك؟

ابني لم يتأثر بفني أبداً، تجربته مختلفة تماماً، لكن هناك شيء أساسي يجمعني به، هو أن الفن لا يملك القيمة إلا إذا كان يخفي وراءه فكراً معيناً. أنا أردد هذه المقولة منذ زمن بعيد، لكن ابني مهيار اكتشف ذلك بنفسه، فالفن ليس فقط موهبة، إنما الفكر هو الفن بالنهاية، هو ما تريد قوله بفنك، وطبعاً الشكل مهم جداً.


إذا قلنا مثلك بأنّك ستعطي نصيحة لفنان شاب، فستقول له: حدد ما تريد قبل أن تبدأ بالعمل؟

من المفترض أن يكتشف ذلك بنفسه لكن إن أراد أن يستفيد من خبرات الآخرين، سأعيد نفس الكلام الذي رددته منذ قليل.


كيف ترى الحركة الثقافية في سورية؟

في الحقيقة، الآن نستطيع أن نرى حراكاً ثقافياً إيجابياً، هنا نوع من الحركة اليومية والأحلام الكبيرة التي يعمل عليها الفنانين، وبصراحة الآن توجد فرصة لسورية لتثبت حضورها الفني الثقافي، بسبب كثرة العيون التي تحيط بها من حول العالم، ليتعرفوا عليها وعلى ثقافتها وتاريخها وشعبها وحضارتها. وطبعاً إن أراد أي شخص أن يتعرف على سورية فسيتعرف بداية على فنها، لأن الفن مرآة الشعوب، وهو الوجه الحقيقي للحياة وللناس.


أرى أنّك مفرط في تفاؤلك.

لقد أخبرتك سابقاً بأني لا أعرف الهزيمة. ولو بقي شخص واحد فسيغير التاريخ، فكيف تريد مني ألا أكون متفائلاً؟


أتتخيل أن تتحول دمشق إلى عاصمة ثقافة بدلاً من روما، أو بعبارة أخرى أن تكون دمشق مقصد للراغبين بدراسة الفن عوضاً عن روما وفيينا والمدن الأخرى؟

كل شيء ممكن، فقبل مئات السنين لم يكونوا بهذه العظمة، فالظروف السياسية والاجتماعية لها دور في تركيب المجتمع وعطائه وإنتاجه الفني والتعليم...الخ. وضمن هذا التوجه الذي نراه وهذا التحول من المحلي إلى العالمي لا أستبعد تحول دمشق إلى مركز أساسي من مراكز الفن في العالم.


وهل تعتبر بيع لوحات الفن التشكيلي السوري بمئات آلاف الدولارات ظاهرة صحية؟

لا أجد في ذلك أي مشكلة لأن قيمة العمل الفني لا يقدر بالمال.


لكنها تحولت إلى تجارة.

دائماً هي تجارة، ودائماً ترى الغاليريات تحاول بيع اللوحات، وإن استطاعوا رفع قيمة اللوحة مثلاً من الألف إلى عشرة آلاف فالمكسب مع الفنان، وإن كان الغاليري هو المستفيد الأساسي.


لكنهم يروجون أحياناً إلى فنانين دون المستوى.

في الواقع لا يوجد غاليري يروج لفنان دون المستوى، هناك معيار للفن، والأعمال التي تدوم هي الأعمال ذات القيمة. إجمالاً صاحب الغاليري لا يملك أي مصلحة في الترويج لفنان دون مستوى. فتجارة الفن هي شطارة ورؤية، والفنان لا دخل له ي ذلك. وأنا دائماً أقول أن العمل الفني لا قيمة مادية له إنما هي قيمة فكرية وإنسانية ووجدانية، طبعاً كل فنان يحلم أن يعيش من عمله، وحتى فان كوخ كان يحلم أن يبيع لوحة من لوحاته ليستطيع بثمنها شراء طعام لنفسه. فقيمة الفن في حالته الوجدانية، والنقود يصنعها تجار الفن أو البورصات وما إلى هنالك.


بصراحة، ألا تحلم بأن يوضع أحد تماثيلك بعد مئتين وثلاثمئة عام في أحد الشوارع مثل مايكل آنجلو؟

كل إنسان يتمنى بألا ينساه الزمن، وأنا أقول أن الزمن لن ينساني مهما حاربوني، [(مازحاً) وسأُذكر حتى بعد ألفي عام]. فالإنسان عندما يؤثر في الآخرين لن يُنسى.

طبعاً البحث عن الخلود هو موضوع آخر هنالك أحياناً فكر يُطرح يبقى الناس يتجادلون فيه حتى ألفي سنة، وهناك منحوتة تبقى عشرة آلاف سنةً، وهناك بالمقابل أفكار تختفي من تلقاء نفسها، لكن بشكل عام الإنسان الفعال لابدّ وأن يترك أثراً ما، حتى ولو كان هذا الأثر سلبياً، فمثلاً الرجل الذي دمر روما يبقى في ذاكرة الناس. وأيضاً لا أحد ينسى سقراط، ولا أحد ينسى امرؤ القيس ذلك الشاعر العظيم، لأن الأثر القوي هو الذي يدوم.


وهل أنت واثق بأنّك تركت أثراً ما؟

عليك أن تسأل غيري، فهنالك أناس يشتمونني، وهنالك في الضفة الأخرى أناس يقولون بأني تركت أثراً ما. سأترك هذا الأمر للزمن، فأنا عليّ أن أعمل وألا أضيع وقتاً.


بالنسبة للناس الذين يشتمونك ويحاربونك، هل تعتقد بأنها غيرة أو حسد أو ما شابه ذلك؟

حتماً هي غيرة، فالإنسان الناجح دائماً هم الذي يُضرب. احكوا عنه وهاجموه، لكن ألا يملك شيئاً إيجابياً أبداً لتتكلموا به؟

دائماً يقال: من أين يحصل مصطفى علي على التمويل، هناك من يدعمه. طيب أريد أن أقول لهؤلاء الناس، وما أدراكم من أنا ومن أين أحصل على تمويلي، ماذا تريدون مني؟ أنا أقول بأنني رجل يعيش من عمله، وإذا كان هنالك أي أحد يثبت بأني أتقاضى أموالاً من أي جهة داخلية وخارجية سأجعله يحاسبني علناً. أنا أملك مؤسسة، ولدي موظفين وصندوق ومحاسبيين وأوراق، هل يوجد إثباتات أكثر من ذلك؟ ومع ذلك يقولون: بأني أقبض من هنا وهناك.

صدقاً، حتى المشاريع التي نعمل بها مع الاتحاد الأوربي، نحن ندفع جزء من أموال هذه المشاريع. يرون لافتة موجود عليها شعار للإتحاد الأوربي، فيقولون: الإتحاد الأوربي يدفع لهم.

شكراً للإتحاد الأوربي، لا أحد يدفع لنا هنا، لكن الإتحاد الأوربي يفعل. ويقال بأننا قبضنا من جهة خارجية فنخوّن بذلك.

بصراحة إنه شيء مضحك.


وهل تتخيل بأن تسمح الحكومة السورية لأحد آخر غيرك بأن يعمل في الأماكن التي تعمل بها، أو أن يقوم بورشات العمل التي تقيمها؟

نحن نعمل بموجب موافقة من الحكومة السورية.


وهل تُعطى هذه الموافقات لأحد آخر غير مصطفى علي؟

طبعاً، ومن أنا؟ أنا إنسان بسيط جداً، ومن يتعرف عليّ عن قرب يعرف ذلك.

أنا أؤمن بالطاقة والكاريزما لدى الإنسان. وأعتقد بأني أملك الكاريزما التي تستطيع أن تقنع الآخر.

هذا هو مفتاح نجاحي.

إمبراطوريتي لم أبنيها من جراء هذه المشاريع التي أقيمها، والكل يعرف هذا، إمبراطوريتي بنيتها بفني، لقد أصبحت معروفاً ومشهوراً ولست بحاجة إلى ورشات العمل التي تتحدث عنها، لكن أردت أن أقدم شيء للأجيال القادمة، ولشعبي ولبلدي. هذا شيء مضاف، أنا شخصياً أستفيد منه معنوياً وليس مادياً.


لقد تمّ انتقادك حول تسمية الغاليري الخاص بك، لماذا أطلقت عليه اسم غاليري مصطفى علي؟

إذاً لماذا عندما نذهب إلى برشلونة نشاهد غاليريات بأسماء فنانيهم كبيكاسو وغيره الكثير. فلماذا لا يوجد غاليري باسم مصطفى علي؟ هم يحق لهم ذلك ونحن لا؟

هذا أمر طبيعي، أذهب إلى أي مؤسسة فنية حول العالم ترى بأن اسم المؤسسة من اسم الفنان. في برشلونة يوجد في شارع واحد أربع مؤسسات فنية باسم فنان واحد.

للأسف الكلام السيء يصدر عن النخبة.


وهل تهاجم أنت لشخصك وليس مشروعك هو ما يُهاجم؟

بالطبع، المهاجمة تمسني شخصياً لأني أنا من يقف خلف المشروع.


طيب سأسأل سؤالاً من ناحية أخرى، نحن نرى الكثير من الناس محتارة في لقمة عيشها، هل ترى بأن مشروعك سيفيدها؟

لست وزير اقتصاد حتى أُطعم الناس، لكن أنا لدي من خمسة وعشرين إلى ثلاثين موظف، ألست أنا من يصرف عليهم ويعيلهم، طبعاً ولا فضل، فأنا أعيل أسر كاملة من عملي هذا بالإضافة إلى المشاريع التي نقيمها، فهي تفتح المجال لفرص عمل بالمستقبل للأجيال اللاحقة. نحن نساعد الناس بالانتقال من تجربة صغيرة إلى تجربة كبيرة، وعندما يكبر هو سيأخذ بيد شخص آخر ويساعد وهكذا تكبر الدائرة.

لقد دفعت الكثير من الفنانين للانطلاق، لكن لدي الكثير من المهنيين والإداريين الذين يعملون معي، قد يصبح ابن أحدهم فناناً في المستقبل نتيجة تأثرهم بالجو. وسأذكر لك مثالاً على ذلك:

ففي أحد ورشات العمل التي أقمناها من أجل الأطفال وبالتعاون مع الهلال الأحمر، كانت بنت إحدى الموظفات موجودة هناك، وشاركت معنا بالرسم، وأتى أيضاً حينها بعض أطفال الجوار.

بابنا مفتوح لكل الناس، فلا تستغرب أن يصل هؤلاء الأطفال بالدفعة التي أعطيناهم إياها إلى عوالم جديدة.


أنت تعمل حالياً بمشروع تجميل ساحات دمشق بالمنحوتات، تتوقع أن يزيد هذا من جمالية المدينة ويؤثر بالذائقة الفنية لدى الناس؟

حتماً.


لكن هنالك الكثير من رجال الدين ممن يحاربون النحت.

إنهم يحاربون النحت، لأنهم لا يريدون أن يفهموا الفن. لكن إن حاورتهم فأظن بأنهم سيقتنعون بالنهاية بأن الغاية من إنتاج العمل الفني ليس العبادة، إنما هو حاجة روحية، وحتى بالقرآن الكريم يوجد شيء كهذا، إن الجمال شيء أساسي في حياتنا.

فإن كان الفرد ذو نظرة ذات بعد واحد فلن يفهم.

نحن عملنا في الهواء الطلق أمام الناس العاديين، حتى المحجبات تكلموا معنا وتحاورنا وكانوا متفاعلين معنا وسعداء وبدليل أنهم جلبوا أولادهم الصغار ليتعلموا.

هناك بعض ممن يعملون معي بالنحت، في وقت الصلاة، يتركون العمل ويذهبون لأداء واجباتهم الدينية، ثم يعودون ليكملوا العمل.

وأنا أتحدى أكبر فقيه في مناظرة تلفزيونية مباشرة،ونتناقش، وأنا واثق إن لم يقتنع فسيسكت.


كلمة أخيرة.

الفنان هو طاقة إيجابية ولا أريد أن يكون طاقة سلبية، وإلا فهو عقيم.

١٠ مشاهدات٠ تعليق

Comments


bottom of page